المناخ الإبداعي
تتفق النظريات التربوية في العالم على ضرورة احتضان الإبداع والمبدعين، وتراهن الشعوب والدول على مبدعيها كحلقة هامة من حلقات السابق الحضاري نحو الصدارة والريادة.
وقد اجتهد التربويون وأصحاب الاختصاص في دراسة الإبداع من كافة اتجاهاته وجوانبه من أجل وضع البرامج القادرة على استيعاب المبدعين، وتوفير الظروف والأساليب التي من شأنها أن تأخذ بيد المبدع نحو التفوق، وتؤهله للقيام بدوره المنتظر في إثراء المجتمع بالإنتاج الخصب والعطاء العزيز.
وسوف نتناول في هذه المحطة جانباً واحداً من الجوانب التي تختص بالإبداع والمبدعين وهو: جانب الظروف الخارجية والشروط التي تيسر ظهور الإبداع وترفده.
وتعتبر البيئة الخارجية هي المناخ الذي يزدهر من خلاله الإبداع وينمو، وذلك حين يتوفر فيها شروط الإبداع وعناصره الرئيسية، أو قد تكون سبباً حقيقياً من أسباب تراجع الإبداع وأفوله وانحساره، إذا كانت تلك البيئة فقيرة من العناصر الرئيسية المكونة للإبداع.
ولو تأملنا البيئة الصالحة المهيأة لتكون دافعاً حقيقياً للإبداع ولدفع الطلبة ذوي الاستعداد الخاص والمقدرة العالية من حيث الذكاء والاستيعاب والفهم والإدراك، لوجدنا أن تلك البيئة المناسبة لذلك الدور تعتمد المرونة وتنهج نحو الحرية والانطلاق، ففي تلك البيئة يتم احترام أسئلة الطالب والإجابة على فضوله المستمر نحو التعرف على الأشياء والأمور التي تخفى عليه، ومن المؤكد أن الطفل الذي لديه الاستعداد للإبداع يكون طفلاً حيوياً كثير التساؤل، وعظيم الاهتمام بالأمور التي يبدو لسواه أنها عادية وغير مثيرة للفضول والاكتشاف.
والبيئة الجيدة والمناخ الصحيح يكفلان لمثل هذا الطفل الإجابة على تلك الأسئلة، بل يهيئان له أسباب البحث عن الإجابة التي ترضيه وتقنعه، ففي البيئة الإبداعية ليس هناك مجال لتسخيف الرأي أو تقليل قيمة السؤال أو السائل، بل تعتمد تلك البيئة على فتح المجال للأسئلة والملاحظة والرصد وتسجيل الرأي وإثابته ومحاولة برهانه بالكشف عن الأسباب والمسببات وإيجاد الربط بين العلائق والنتائج.
كل تلك الإشارات الإبداعية تحتضنها البيئة الجيدة القادرة على الإثراء والدفع، التي تفترض الصواب من الخطأ في التجارب والممارسات التي يقوم بها الطالب، إذ أن الخطأ وارد ومحتمل، والبيئة الميسرة للإبداع تحاول أن تعلم الطالب كيف يستفيد من خطئه وكيف يتعلم منه، وكأنها توصل له الرسالة التالية: " إن حاولت أن تتحاشى كل الأخطاء فإنك تخاطر بالتوقف عن التعلم والمعرفة "، وهذه البيئة الخصبة للتعلم والإفادة تقول للطالب بلسان الحال قبل المقال: " إذا لم تفشل فلن تعمل بجدّ" ، وحين أخطأ أديسون مكتشف الكهرباء في توصيل تلك الطاقة في المصباح مئات المرات قبل أن يصل إلى ذلك النجاح الباهر والذي أضاء به العالم أجمع قال له أحد الجهلاء: لقد أخطأت مئات المرات قبل أن تضيء المصباح!! كان جوابه على الفوز: لقد عرفت مئات المواد التي لا تصلح لتكون موصلة للتيار الكهربائي.
فهو لم يضيع وقته عبثاً، بل كانت كل نتيجة خاطئة يصل إليها سبباً مباشراً ليتعلم منها اسم نوع جديد لا يصلح لتمرير الكهرباء به.
وهذه فلسفة صحيحة ومنطق سليم لمن يريد أن يتعلم ويعلم ( بتشديد اللام)، فالوصول إلى الاكتشاف والمعرفة يتطلب ضريبة من ضمنها أن لا يكون الخطأ سبباً للترك أو الإقلاع، بل يكون عاملاً من عوامل الإصرار على المواصلة والاستمرار، والبيئة الصالحة كذلك تشجع على التعبير الذاتي وتسمح للطالب أن يعبر عما يجيش بفؤاده وعقله وذلك ليتم التواصل بين العالم والمتعلم، وليزداد الطالب كذلك ثقة بنفسه وإمكاناته، حيث أن إفساح المجال لإبداء الرأي يدل على قيمة معنوية واهتمام شخصي بالطالب، وهذا بحد ذاته واحد من العوامل الدافعة نحو التميز والسبق.
وكذلك من العوامل المهيأة للإبداع: تعليم الطفل وتدريبه على رؤية الأمور على حقيقتها بعيداً عن التزويق والتحسين والتمويه، أو الحجب والإخفاء، فمن حق الطفل أن يعرف الأمور على حقيقتها على قدر سنه وإمكانات عقله واستعداداته، وكلما كان استعداد الطفل العقلي للاستيعاب ظاهراً، كلما كان من الواجب تعريفه بحقيقة الأمور، خاصة تلك التي تمسه وتحيط به أو يلاحظها أو تثير فضوله، أو يستمع إليها من الأشخاص الآخرين.
وعلى سبيل المثال، فإن الأخبار تحاصر الطفل بطائفة من الأنباء والأحداث وتجلب مع تلك الأحداث صوراً ومشاهد حية لتلك الأحداث التي يخبر عنها، ومن حق الطفل في البيئة الإبداعية أن يفهم أسباب تلك الأحداث التي ازدحمت على عقله وطاردت ساعات يومه وأمسه.
ولأنه طفل لديه استعداد خاص وإمكانات متميزة فإنه لا يتوقف أمام الحملة في المشاهد والصور التي تعرض أمام ناظريه، بل يحمل تلك المشاهد التي رآها ورصدها إلى أستاذه ليفتح معه حواراً جاداً حول تلك الأحداث التي شغلت فكره.
وفي البيئة الإبداعية يقوم المعلم وهو أحد أركان تلك البيئة الخلاقة ليلقي الأضواء الحقيقية على تلك الأسئلة الحائرة ويعطيها من الاهتمام وحسن الإجابة ما يشفي غليل ذلك المتعطش للفهم والتعرف، ولربما تساءل أستاذ حريص على إنهاء منهجه الذي بين يديه عن الوقت الذي يمكن أن يساهم به في تلك الإجابة التي ينتظرها التلميذ ؟
والجواب هو أن البيئة الإبداعية تساعد معلميها على الوفاء بتلك المتطلبات وفق نظام شامل يكون فيه تهيئة الفرص الحقيقية لنبوغ الطلاب هدفاً رئيسياً من الأهداف التي يستوعبها ذلك النظام، والذي يسمح للمعلم بالمساهمة فيه بالقدر الأوفى، ويضع فيه رأيه وملاحظاته بقدر كامل من الاحترام، وبمساحة كافية من الاهتمام، وبهدف واحد يسعى له الجميع وهو: إصلاح البيئة التعليمية لتكون مناخاً مهيئاً لظهور المبدعين والموهوبين ليساهموا بدورهم في رفد الحياة وتطور الأمة
تتفق النظريات التربوية في العالم على ضرورة احتضان الإبداع والمبدعين، وتراهن الشعوب والدول على مبدعيها كحلقة هامة من حلقات السابق الحضاري نحو الصدارة والريادة.
وقد اجتهد التربويون وأصحاب الاختصاص في دراسة الإبداع من كافة اتجاهاته وجوانبه من أجل وضع البرامج القادرة على استيعاب المبدعين، وتوفير الظروف والأساليب التي من شأنها أن تأخذ بيد المبدع نحو التفوق، وتؤهله للقيام بدوره المنتظر في إثراء المجتمع بالإنتاج الخصب والعطاء العزيز.
وسوف نتناول في هذه المحطة جانباً واحداً من الجوانب التي تختص بالإبداع والمبدعين وهو: جانب الظروف الخارجية والشروط التي تيسر ظهور الإبداع وترفده.
وتعتبر البيئة الخارجية هي المناخ الذي يزدهر من خلاله الإبداع وينمو، وذلك حين يتوفر فيها شروط الإبداع وعناصره الرئيسية، أو قد تكون سبباً حقيقياً من أسباب تراجع الإبداع وأفوله وانحساره، إذا كانت تلك البيئة فقيرة من العناصر الرئيسية المكونة للإبداع.
ولو تأملنا البيئة الصالحة المهيأة لتكون دافعاً حقيقياً للإبداع ولدفع الطلبة ذوي الاستعداد الخاص والمقدرة العالية من حيث الذكاء والاستيعاب والفهم والإدراك، لوجدنا أن تلك البيئة المناسبة لذلك الدور تعتمد المرونة وتنهج نحو الحرية والانطلاق، ففي تلك البيئة يتم احترام أسئلة الطالب والإجابة على فضوله المستمر نحو التعرف على الأشياء والأمور التي تخفى عليه، ومن المؤكد أن الطفل الذي لديه الاستعداد للإبداع يكون طفلاً حيوياً كثير التساؤل، وعظيم الاهتمام بالأمور التي يبدو لسواه أنها عادية وغير مثيرة للفضول والاكتشاف.
والبيئة الجيدة والمناخ الصحيح يكفلان لمثل هذا الطفل الإجابة على تلك الأسئلة، بل يهيئان له أسباب البحث عن الإجابة التي ترضيه وتقنعه، ففي البيئة الإبداعية ليس هناك مجال لتسخيف الرأي أو تقليل قيمة السؤال أو السائل، بل تعتمد تلك البيئة على فتح المجال للأسئلة والملاحظة والرصد وتسجيل الرأي وإثابته ومحاولة برهانه بالكشف عن الأسباب والمسببات وإيجاد الربط بين العلائق والنتائج.
كل تلك الإشارات الإبداعية تحتضنها البيئة الجيدة القادرة على الإثراء والدفع، التي تفترض الصواب من الخطأ في التجارب والممارسات التي يقوم بها الطالب، إذ أن الخطأ وارد ومحتمل، والبيئة الميسرة للإبداع تحاول أن تعلم الطالب كيف يستفيد من خطئه وكيف يتعلم منه، وكأنها توصل له الرسالة التالية: " إن حاولت أن تتحاشى كل الأخطاء فإنك تخاطر بالتوقف عن التعلم والمعرفة "، وهذه البيئة الخصبة للتعلم والإفادة تقول للطالب بلسان الحال قبل المقال: " إذا لم تفشل فلن تعمل بجدّ" ، وحين أخطأ أديسون مكتشف الكهرباء في توصيل تلك الطاقة في المصباح مئات المرات قبل أن يصل إلى ذلك النجاح الباهر والذي أضاء به العالم أجمع قال له أحد الجهلاء: لقد أخطأت مئات المرات قبل أن تضيء المصباح!! كان جوابه على الفوز: لقد عرفت مئات المواد التي لا تصلح لتكون موصلة للتيار الكهربائي.
فهو لم يضيع وقته عبثاً، بل كانت كل نتيجة خاطئة يصل إليها سبباً مباشراً ليتعلم منها اسم نوع جديد لا يصلح لتمرير الكهرباء به.
وهذه فلسفة صحيحة ومنطق سليم لمن يريد أن يتعلم ويعلم ( بتشديد اللام)، فالوصول إلى الاكتشاف والمعرفة يتطلب ضريبة من ضمنها أن لا يكون الخطأ سبباً للترك أو الإقلاع، بل يكون عاملاً من عوامل الإصرار على المواصلة والاستمرار، والبيئة الصالحة كذلك تشجع على التعبير الذاتي وتسمح للطالب أن يعبر عما يجيش بفؤاده وعقله وذلك ليتم التواصل بين العالم والمتعلم، وليزداد الطالب كذلك ثقة بنفسه وإمكاناته، حيث أن إفساح المجال لإبداء الرأي يدل على قيمة معنوية واهتمام شخصي بالطالب، وهذا بحد ذاته واحد من العوامل الدافعة نحو التميز والسبق.
وكذلك من العوامل المهيأة للإبداع: تعليم الطفل وتدريبه على رؤية الأمور على حقيقتها بعيداً عن التزويق والتحسين والتمويه، أو الحجب والإخفاء، فمن حق الطفل أن يعرف الأمور على حقيقتها على قدر سنه وإمكانات عقله واستعداداته، وكلما كان استعداد الطفل العقلي للاستيعاب ظاهراً، كلما كان من الواجب تعريفه بحقيقة الأمور، خاصة تلك التي تمسه وتحيط به أو يلاحظها أو تثير فضوله، أو يستمع إليها من الأشخاص الآخرين.
وعلى سبيل المثال، فإن الأخبار تحاصر الطفل بطائفة من الأنباء والأحداث وتجلب مع تلك الأحداث صوراً ومشاهد حية لتلك الأحداث التي يخبر عنها، ومن حق الطفل في البيئة الإبداعية أن يفهم أسباب تلك الأحداث التي ازدحمت على عقله وطاردت ساعات يومه وأمسه.
ولأنه طفل لديه استعداد خاص وإمكانات متميزة فإنه لا يتوقف أمام الحملة في المشاهد والصور التي تعرض أمام ناظريه، بل يحمل تلك المشاهد التي رآها ورصدها إلى أستاذه ليفتح معه حواراً جاداً حول تلك الأحداث التي شغلت فكره.
وفي البيئة الإبداعية يقوم المعلم وهو أحد أركان تلك البيئة الخلاقة ليلقي الأضواء الحقيقية على تلك الأسئلة الحائرة ويعطيها من الاهتمام وحسن الإجابة ما يشفي غليل ذلك المتعطش للفهم والتعرف، ولربما تساءل أستاذ حريص على إنهاء منهجه الذي بين يديه عن الوقت الذي يمكن أن يساهم به في تلك الإجابة التي ينتظرها التلميذ ؟
والجواب هو أن البيئة الإبداعية تساعد معلميها على الوفاء بتلك المتطلبات وفق نظام شامل يكون فيه تهيئة الفرص الحقيقية لنبوغ الطلاب هدفاً رئيسياً من الأهداف التي يستوعبها ذلك النظام، والذي يسمح للمعلم بالمساهمة فيه بالقدر الأوفى، ويضع فيه رأيه وملاحظاته بقدر كامل من الاحترام، وبمساحة كافية من الاهتمام، وبهدف واحد يسعى له الجميع وهو: إصلاح البيئة التعليمية لتكون مناخاً مهيئاً لظهور المبدعين والموهوبين ليساهموا بدورهم في رفد الحياة وتطور الأمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق